الاثنين، 12 يناير 2015

تَرَاتِيْلُ عَاشِقْ

بسم الله الرحمن الرحيم


تَرَاتِيْلُ عَاشِقْ




في هذه الليله الشتائيةِ الهادئة , وبعد أن دخلت في النصف الثاني من العقدِ الثاني من حياتي , وبعد أن بدأت أفقد الأمل في أن أجد ما حَلُمتُ يوما به,طَرَقت باب فكري من جديد, وهمَسْت بصوت عنيد " أعِدِ الكتابةَ مرةً أخرى ".

جلستُ أنا وقهوتي وسجائري , وحدنا ,أبحثُ عن كلامٍ لِأبتَدِأ به , فلستُ أعلمُ أين البدايةَ ومتى , ولستُ أذكرُ من عمُري شيئا قَبْلَها وكأنَهَا ميلادي الذي لم يَحِنْ بعد.

تجتاحني أعاصيرٌ لا تقبَلُ الترجَمة ولا تخضعُ للترويضِ مع الزمن فصدق فيها قول من قال - اذا لم يزدك البُعدُ حباً فأنتَ لم تُحِب منذ البدايه - فكيف إذا لم تَلتَقِ بها أساساً ؟!

رَجَعتُ من جديد لِأُوازِنَ بَينَ هاتيكَ المشاعِرِ كُلها , ما بين عشقٍ وجَرح , ما بين ألمٍ وفرح , ما بين لقاءٍ ووداع.

لم أجد نفسي قادرا على الكتابةِ رغمَ فصاحةِ لساني , فأنا أتَكَلمُ العربيةَ منذُ ما يزيدُ عن خمسةٍ وعشرينَ عاما  , إلا أنني وفي هذه اللحظه رجعتُ لِأقرأَ الأبجدية من جديد , عَلَّني أجدُ حَرفاً يُسعِفُنِي في مقالتي للوصف والتعبير مع عِلمي أن للحُب دستورٌ خَفيّ لا يَعلَمهُ الا من جَربّهْ , فلو قرأتَ ألفَ ألفَ كتابٍ عنهُ وروايةٍ فلن تعلَمَهُ حتى يعلَمَك , ولن تُقابِلهُ حتى يُقابِلَك , فكيف إذا كان هذا الحب لم يُكْتَبْ عنه من قبل ؟! إذ هو ليس عشق لأنثى  ؟!.

كما قلتُ لكَ فأنا لا أذكُرُ متى كانت بدايتي معها , فما أشعرُ بِه وأتذَكرُه أنها كُانت في ذاكرتي وأوراقي منذُ اللحظةِ الأولى لولادتي .فأنا قَد وُلِدتُ لاجئاً في أرضٍ خُلِقَت للسلام وما رأت يوماً سلاما . لا أعلمُ هل أنا ككل البشر لي تاريخُ ميلادٍ واحدٍ أم أن لي اثنين نسيت الأول بصدمةٍ ... ونقشتُ الأخر خوفَ الضياع ؟!

بغض النظر عن كل هذا , فأنا أعلمُ يقينا أنك الآن تشتاقُ لمعرفة من هي تلكَ الفاتنةُ السمراء ؟! وإن لم تكن أنثى كما قرأتْ ... فمن تكون ؟! أسْمَعُكَ تصيح بي " هيا انْطِقْ بِها فَلَقَدْ أتعبتَ عَقلِيَ بِالبَحْثِ والتنقيب وأثَرْتَ بركان فضولي . أعْلَمُ ذَلِكَ أيها الحبيب , ولكن اعذرني فحتى النطقَ بِهَا ... ممنوعٌ في بلادي أبدا . 

فَبِلادي يَحكُمُها من قَتَل يحيى وزكريا عليهما السلام , ويعيش فيها غَصباً من عَبَدَ العِجْلَ وبينهم موسى وهارون عليهما السلام , بَل ويمتلك القوةَ والبَطشَ فيها من وَشَى بِالمسيِحِ عيسى عليه السلام , وهو هو نَفْسُهُ من دَسَّ السُمَّ لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام . فإنْ أنَا أخْرَجْتُ حروف اسمها من فَمِي فَلستُ بِخَيرٍ مِمَنْ قَد ذَكَرتْ وقد علمتَ ما فَعَلوا بِهِمْ فَكنْ عَليَّ من المُشْفِقِين .

حسناً لا تبتأس وأزل تلك الحَيْرَةَ عنك سأعطيك تلميحاتٍ عنها ولا تَسَلني بعدها من هي . فَمِثْلُهَا لا يَعْرِفُهَا إلا مَنْ شُرِِّدَ من وَطَنِه , وخَانَهُ أهلُهُ , وَ قَتَلهُ البردُ وحيداً هناك يناجي ربَهُ أن يُعَجِّلْ لَهُ بِها , فَمِنْ دُونِها لَنْ يَجِدَ الطريقَ إلى حَيفا ولن يعود الى بيارات يافا ولن يَتَنَسَمَ هواءَ تَلِ الرَبِيع .

يا صديقي بلادي حَيثُ أعيشُ أنا هناك حاكمٌ يَلْبَسُ مِثْلَ ثِيَابِنَا ويَتَكَلمُ بِلِسَانِنَا ويَأكُلُ مِنْ طَعَامِنَا ويُصَلِي مِثلَنَا ويَحَجُّ أيضا ولكن حَجُّهُ ليسَ إلى الكعبةِ أبدا وإنما هناك الى باريس حيث يساندُ المظلومين والمقهورين ضد ارهابي وارهابِ شَعْبِي وضد ارهاب أهل المخيمات و مَنْ هُمْ مِثَلَنَا الذين ما فَتِئوا يُرَدِدُونَ اسْمَ مَحْبُوبَتِي مُتَمَنَِينَ نَوَالَهَا لِكَي يَقْطَعُوا بِهَا رَأسَ حُكَامِنَا قَبْلَ أنْ يَصِلوا إلى تلِ الرَبِيعْ .

اشتقتُ إليْهَا كَثِيراً وَ دَوماً مَا أُرَدِّدُ فِي صَمْتٍ أنْ يُعَجِّلَ اللهُ لي بِها فَلَئِنْ قَابَلتُهَا أُقسِمُ بِمَنْ حَرَمَ القَسَمَ بِغَيْرِهْ أنني لنْ أدَعَهَا تُغَادِرُ صَدْرِي حتى تُغَادِرَنِي روحي ولألثُمَّنَّ فَاهَا وَلَأروِيَنَّ شوقي وحنيني منها ولأسمَعّنَّ لَحنَها وهي تُرتِلُ في إيمانٍ ويقين " وما رَمَيتَ إذ رميت ولكنَ اللهَ رمى " . 


تَرَاتِيْلُ عَاشِقْ

قطرة غيث

الثلاثاء 22 ربيع الأول 1436 هجري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.