السبت، 12 ديسمبر 2015

المَجْدُ الوَهمِي



المَجْدُ الوَهمِي
لستُ أدري كَيفَ أخُطُّ ما أريدُ كتابتهُ اليوم , فَقَدْ بَاتت الأحدَاثُ تتسارع , والأيام تمضي ولم يَعُدْ في القَلبِ مُتَسَع .
فَرقٌ كَبيرٌ يَا صَغِيرَتِي بين الوَاقِع والحُلُمْ , هو خَيطٌ رَفِيع , بَاهِتُ اللون , حتى يكادُ الناظرُ إليهِ من شِدةِ خَفائِهِ لا يَراه .
لسْتُ أدري هل حَقاً نَحنُ نَفْصِلُ بينهما ونسعى جاهدين للعمل وِفقَ الواقِعِ أم أننا نَنغَمِسُ في الحُلُمِ فَقَطْ ؟! لا أعلَم إن كان هناكَ بَقيَّةٌ مِنْ عَقلٍ أم أنَّهُ أصْبَحَ يَسِيرُ وِفْقَ وَسائِلِ التواصُل الحديثةِ فقط ؟!

 لقد كرهت وجودي في عالم الآسك كله , فما أن أضع إعجابا لإجابة حتى تنهال عليَّ التُهم وكأنني قَبَّلتُ صاحِبَةَ الكَلام , ويَا وَيلي إذا أجبت بضحكة أو مُزحَةٍ فعندَهَا يُفْتَحُ باب لا مجال لإغلاقه من سيل الأسئلة الشخصية أو الاتهام أو الشتم والسب والقذف .

بإمكانِكَ أن تُفَسِّرَ كَلَامِي عَلى أنَّهُ نابِعٌ عن حادثَةٍ شَخْصِيَّةٍ عِشْتُهَا أنا , وبإمكانِك أن تراه على أنه مُجَرَدُ واقعٍ اطَّلَعتُ عَليهِ وأحاول صيَاغَتَهُ بِإسْلُوبٍ أدَبِّيٍ بَحْتٍ , لا علاقَةَ لَهُ بِهَل كَلامي شخصيٌ أم أنَّهُ مُجَرَدُ قِراءةٍ أدبيةٍ للواقع الذي نَحيَاهُ هُنَا في وَسَائِلِ التَواصُل الاجْتِماعيّ . وَبِكُلِّ الأحْوال , صَدِّقني لم يَعُد يَعنيني كَيفَ يَقرأ الآخرون الكَلِماتْ , فوَحدَهُ مَن يَعرِف المقصُودَ مِنَ الكَلِمَةِ هو كَاتِبُهَا , وأمَّا التَفسِير , فَكُلٌّ يُفَسِّرُ وِفْقَ مُرادِهِ وَهَواه . لِذَا سَأكْتُبُ كأبٍّ يُحاوِرُ ابْنَتَهْ , وصديقٍ يُحاوِرُ صَدِيقَهُ , مَعْ عِلمِي وَيَقِيني أَّنَّهُ حِوارٌ نَفْتَقِدُهُ فِي مَنَازِلِنَا وَواقِعِنَا.
يَا صَغِيرَتِي أعلَمُ أنَّكِ تَحتَاجِينَ الحنَانَ وَتَطْلُبِيهِ وَتَبْحَثِينَ عَنْه , ولا عَيبَ ولا نَقْصَ فِي ذَلِك . إنَّمَا العَيبُ أن نَبْحَثَ عَنِ الشَيْ الصَوَاب في المَكَانِ الخَطأ .
يَا صَغيرَتِي إنَّ هذه الأماكن المُسمَاةِ بِالفَضَاءِ الاجْتِمَاعِي كَان المُرَادُ مِنْهَا إيْصَالُ كَلِمَةٍ للآخَرين , وملاذ حين يُداهِمُنَا المَلل , لَكِنَّها أصبَحَتْ حَياةً تَحِلُّ مَكانَ الحياةِ الحقيقِية . فأصْبَحنَا نَستَمتِعُ بها حتى ونحن على يَقينٌ أنَّهَا تَقتُلُنَا وأنَّ فِيهَا ألفُ قِناعٍ وقِنَاع , ولِذا لَنْ أحَدِّثَكِ اليومَ كَقطرَةِ غَيث بَل سأخْبِرُكِ مَن أنا , فإنَّ التَخَفي وَراء اسمٍ آخر وإن كانَ لَهُ أسْبَابُهُ إلا أنَّها لَم تَعُد مَوجُودةً الآن .
يَا صَغِيرَتِي لَقَدْ أصبَحْنَا ذَوو مَشَاعِرٍ إلكْترونِيَة !! فأصْبَحَ الـــ " لايك " عِبَاَرة عَنْ غَزَل !!! وأصْبَحَ التَعْلِيقْ أقْرَبُ لِتَزَلُّفٍ أو مَشْرُوعِ جَديِدٍ لِقَيسٍ وَليلى آخرَين!!! لَقَدْ عِشْنَا مَعَ الوَهْمِ والوَهْمُ عَاشَنَا يَا صَغِيرة . لأنَّنَا أحْبَبْنَا شَخْصِيَّةً رَسَمْنَاهَا مِنْ دُونِ البَحْثِ عَنْ حَقِيقَتِهَا أو النَظَرِ إلَيْهَا مِنْ زَاوِيَةِ الوَاقِع دُونَ الخَيَالْ .
يَا صَغِيرَتِي إنَّ الرِجَالَ فِي عَالَمِ الوَهمِ مُجَرَدُ مُدَّعِين , والنِّساءُ حَالِماتٍ سَابِحاتِ فِي عَالمٍ جَدِيد. كُلُنَا نَّدَعيِ أمُوراً لَكِنَّها مُجَرَدُ خَيَالٍ لا وَاقِعْ , حَتى تَعَلَقَ القَلبُ بِمَا لا يُمكِنُ لَهُ نَوَالَهُ ولا حَتَى يَقدِرُ عَلى نَقْلِهِ مِنْ عَالَمِ الوَهمِ إلى عَالَمِ الحَقِيقة أبدا.
أعْلَمُ يَا صَغِيرَتِي كَمْ تُعَانِينَ مِنْ تَعَلُّقٍ كَهَذا , وَلَكِنَّ المُعَانَاةَ هَذِهِ لَنْ تَتَوَقَفْ إلا باتِخَاذِ قَرَاراتٍ مَصِيريةً ومَواقِفَ مِفْصَلِيَّة . أوَّلُهَا أنْ تُوقِنِي بأهَمِّيَةِ فَصلِ الوَاقِعِ عَنِ الوَهمْ وأهمِيَةِ إدراكِ ذاكَ الخَيطِ البَاهِتِ ورؤيَتِه. فإنَّ أي مَشاعِرٍ بِرَغْمِ صِدقِهَا وقوتِهَا مَا دَامَتْ الكتْرونِية فَهِي شَهادةُ وَفاةٍ مُبَكِرةٍ جِداً.
بِيَدِكِ أنْتِ فَقَطْ أن تَتْخِذِي قَراراً مَصِيرياً بِبِنَاءٍ جَدِيد وَحَيَاةٍ جَدِيدَةٍ ووَاَقِعٍ أفضَل أو الانْغِمَاسْ فِي الفَضَاءِ الاجْتِمَاعِي ذُو المَجْدِ الوَهمِي أكْثَرَ وأكْثَرْ. لَنْ تَجِدِي دَوَاءاً مِثْلَ دَوَاءِ أخْذِ قَرارٍ والثَبَاتِ عَليهِ مَهْمَا كَلَّفَ الأمر . وَلَنْ تَجِدِي مَنْ يُقَدِمْ حُلُولاً سِحريَّةً للتَغْيِير , فَلو كانَ التَغييِرُ سَهلاً لأصْبَحَ النَائمُونَ قَلِيلي العَزمِ قَادَةَ العَالَم .

سلامٌ عليكِ يا ابنتي فإنَّ أمامَك أيامٌ العُزلَةُ فيها على رأسِ جَبَلٍ خيرٌ من ألفِ ألفِ متابع وصديقْ.

قطرة غيث
السبت الأول من ربيع الأول لعام 1437 هــ
الثاني عشر من ديسمبر لعام 2015 م







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.