" يقول روبرت فروست " يتكون نصف العالم من أناس لديهم ما يقولونه ولا يستطيعون، أما النصف الآخر فليس لديهم ما يقولونه ويعيدونه مرارا وتكرارا
.حين أدقق في نفسي وأحاول معرفة من أي النصفين أنا , حقيقة لا أجد جوابا شافيا أو حتى على الأقل جوابا مستقرا على نصف ما
فأحيانا يكون لدي ما أريد قوله والبوح به ولكن لا أستطيع , فكما أن الصمت قاتل إلا أن البوح فتَّاكٌ يا صديق . وأحيانا أخرى لا أملك ما أقوله أصلا ولكنني أتكلم وأتفوه بكلمات أي كلمات لا يهم المهم أن أكسر حاجز الصمت وأن أخترق جدار الصوت وأن أطلق العنان للسان ليغترف مما في القلب ويطفو به على أسماع الآخرين
لا تلمني يا صديق فأنا مثلك تربيت في هذا المجتمع الذي تربيت أنت فيه , وخدعت به كما خدعت أنت به , وكذبوا علينا حين علمونا أن للبلاد سطانا لا ينام لأجلها , وأن لنا جيشا يَهْلِكُ دوننا , وأن لنا مقعدا في الأمم المتحده , وآخر في جامعة الدول العربية .
نعم يا صديقي كذبوا , بل حتى أكون أكثر دقة و وصفا , هم لم يصدقوا ولا مرة واحدة , فحتى في صدقهم كان لهم مآرب أخرى . والمتكلم إن لم يصدق الا إن وافق الصدق هواه فهو كاذب لا محالة بل مخادع ومنافق أيضا .
كذبوا علينا حين قالوا أننا متدينين وملتزمين وما أن يدعو داع الجهاد سنهب هبة رجل واحد . ولكن داع الجهاد ينادي منذ أن أصبحت الأندلس اسبانيا ولم نهب إلا على أنفسنا .
!! ( .وكذبنا نحن حين صدقنا أننا ناجون وأننا مسلمون نصلي ونصوم وكفى . ولم يعلمونا قوله صلى الله عليه وسلم لبشير بن الخصاصية رضي الله عنه (لا جهاد ولا صدقة فبما تدخل الجنة إذن
ولم نكذب فقط بل استمتعنا بالكذب وأقنعنا أنفسنا أنه صواب وكل هذا لكي ننام في حضن زوجة وظل أبناء وفناء بيت .
بل وفرحنا وطرنا فرحا بأن خرج من بني جلدتنا من يقول أن الغناء حلال وأن فيه خلافا ولا انكار في مواضع الاجتهاد , فطربنا به وانتشينا أنغاما وتراقصنا سكارى على إيقاعاته .
أتعلم أننا حين تَعْرِضُ لنا مسألة ما وهي حرام ونحن نعلم أنها حرام ولكننا نريدها , نذهب لشيخ ونسأله فإن قال حرام تركنا قوله وذهبنا لغيره وهكذا حتى نجد من يقول هي حلال أو أنها مختلف فيها لكي نفعل ما نريد , فالعامي له حق التقليد وليس له اجتهاد !!! هكذا علمونا .
يا صديقي أنا لم أنم بعد منذ ثمانٍ وأربعين ساعة فأخرجت لك كلاما لا أعلم كيف ترتيبه ولا سياقه ولكن خرج من غِلٍّ وحقدٍّ أسكرا قلبي حد الثمالة فصار اللسان يغترف علقما ليطوف به على أسماع النائمين علَّهم يعلمون أننا نعلم أننا كاذبين ولكننا نستمتع بخداع أنفسنا .
يا صديق لا تلمني فإنِّي أرى الموت قد أطال السفر وأرى البغي قد انتشر وابن الزنيم قد فَجَرْ والحرُّ في دنيا العبيد يُحتَضَر واللسان قد انشطر والقلب قد انفطر والموت قاب قوسين ينتظر .
ولم أزل بعد لم أدر في أي النصفين أنا هل ممن لديه ما يقوله ولا يستطيع خوفا من الخطر ؟
أم ممن ليس لديهم قول معتبر ؟
.
.دعني أنَمْ يا صديق فقد أرهقتني سألتزم الصمت الآن وإن كان قاتلا إلا أن البوح فتَّاك.
.دعني أنَمْ يا صديق فقد أرهقتني سألتزم الصمت الآن وإن كان قاتلا إلا أن البوح فتَّاك.