الثلاثاء، 3 مارس 2015

" رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني "


بسم الله الرحمن الرحيم

" رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني "

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله النبي الأمي الصادق الأمين أما بعد :
إن الله سبحانه وتعالى حين أنزل الكتاب أنزل فيه قصص وعِبَرٌ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد , فقد ذكر سبحانه من أخبار الأمم السابقة وذكر من أخبار الأنبياء والصديقين بالقدر الذي يلزمنا نحن البشر لنستخلص منها العِبرَةَ ونسيرَ على نهجهم , بل وقد أنزل أيضا قصصا عن أقوام عصوا الرسل وكذبوا المرسلين فكان عاقبتهم أنهم في العذاب المهين . وما ذلك إلا لنقارن نحن بين الفريقين ونعلم أي الفريقين أحسن مقاما وأحسن نديا وأيهم نتبع وكيف الطريق والسبيل .



في كل مرة تقرأ فيها كتاب الله ستجد فيه شيء جديد لم تنتبه لم من قبل ولم تفطن له وكأن الله يزيل عن عينيك الغشاوة لترى مرة بعد مرة آثارا وأنعاما وعظات وعِبَر من قصص القرآن , وإن واحدة من هذه القصص قصة آل عمران فقد قال تعالى في سورة آل عمران " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " , ما الذي فعله آل عمران لينزل الله سبحانه فيهم سورة باسمهم تتلى الى يوم الدين ويختارهم ليكونوا من المُصْطَفَيينَ الأخيار والمقربين الأبرار ويجعل من ذريتهم كلمته عيسى عليه السلام ؟؟!!


الإجابة تتلخص في آية واحدة من سورة آل عمران حيث قال تعالى حكاية عن امرأة عمران أم مريم عليهم السلام " رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم " , لقد كان هذا التكريم من الله سبحانه وتعالى لهذه العائلة لأنهم كانوا يحملون هَمَّ هذا الدين بل وينذرون له أبناءهم وفلذات أكبادهم من قبل أن يولدوا أصلا .


فها هي امرأة عمران تنذر ما في بطنها لله سبحانه ليكون عاملا وخادما لهذا الدين وقد كان في عادة اليهود أن الذكور فقط هم من يتم نذرهم لخدمة الدين وليس الإناث ولهذا حين علمت أن ما في بطنها أنثى وليس ذكرا قالت بحزن " فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى " .


نعم حزنت ليس لأنها لا تحب الأنثى ولا لأنها لم ترضى بقضاء الله سبحانه بل لأنها كانت تريد ذكرا ليكون خادما للدين وفقا للديانة والتعاليم في ذلك الوقت , ولكن الانسان لا يعلم أين الخير ولا يعلم ما الذي يخبئه الله سبحانه وتعالى له , فلم تكن تعلم أن في بطنها صِدِّيقَةٌ أم نبي ورسول هو من أولي العزم الخمسة الذين يحملون رسالة الله سبحانه لعباده الذين تاهوا وضلوا الطريق ليعيدهم مرة أخرى بإذن الله الى عبادة الله وحده لا شريك .


هكذا كانوا وهذه هي سيرتهم بين أيدينا ينذرون أبناءهم وفلذات أكبادهم ليكونوا عونا وحصنا وخدما لهذا الدين , يربونهم على ذلك بل يخططون لهذا من قبل أن تلدهم الأم ومن قبل أن تحمَلَ بهم , فهي تعلم يقينا أنهم لله سبحانه وأنهم أمانة عندها سيأخذها يوما ما وتعود إليه وهناك الملتقى وهناك الجزاء الأوفى .



نعم من الصعب عليكِ يا أمي أن تستيقيظي فلا تجدي ابنك أو ابنتك أمامك وبجانبك ولكن دعينا نكون واضحيين وصريحين , أليس آخر العمر موت ؟! أليس آخره فراق ؟! أليس هذا الدين هو أحب إلينا من أنفسنا ؟! ألسنا ورثة الأمانة والواجب علينا أن نبلغها ؟! فما الذي نفعله نحن ؟!

أماه في الدنيا أربعة مقرونة بأربعة . اجتماع يتبعه فرقة وشباب يتبعه شيب وفرح يتبعه نكد وهم وغم وحياة يتبعها موت , فلا نجاة لأحد من هذه الأزواج الأربعة أبدا مهما كان وأياً كان . أما في الآخرة فخذ أربعا ودع أربعه , خذ حياة بلا موت , وخذ شبابا بلا هرم , وخذ فرحا بلا نكد وغم , وخذ اجتماع أحبة لا يتفرقون أبدا .

فالأمر أيها الحبيب بيديك فاختر ما تشاء أربعة مقرونة بأربع أم أربعة بلا نقيض لها ؟!
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا ممن اختارهم لنصرة هذا الدين شهداء عنده في عليين .


" رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني "

قطرة غيث

الثلاثاء 12 جمادى الأول 1436 هـ 
الموافق الثالث من آذار 2015 م